| 0 التعليقات ]

جاء وفد جزائري إلى الرابوني لزيارة موقع يسمونه "مقام الشهيد"، و المقصود به الوالي مصطفى السيد الذي يجهل أصلا مكان دفنه.أقاموا مهرجانا هناك حضره جنيرالات جزائريون على رأسهم العماري وعبد الحميد مهري والشريف مساعدية وخالد نزار والجنيرال العربي بلخير وضباط آخرون فضلا عن سوريين وفيتناميين وكوبيين وهندوراس وسيشل وبوتسوانيين وتيموريين حضروا المهرجان.وقد سمعنا في خطاباتهم نفس الأسطوانات المعروفة في الخطاب الرسمي الجزائري عن خرافة الشعب الصحراوي و الشهداء والدعم اللامشروط والصمود.كان امبارك ولد ميلد هو قائد سجن الرابوني وهو من كبار المجرمين ومن أفعاله السوداء أنه والمحفوظ ولد البرناوي قتلا ماجيدي وفي نفس الوقت سمي مركز باسمه لطمس الجريمة. وما بين تندوف والرابوني توجد مقبرة تستقبل القتلى وكم من الضحايا اغتالوهم وسموا باسمهم أماكن معروفة لكن قل من يعرف هذه الجرائم وتفاصيلها.
أخذونا إلى المقاطعة السادسة وقد كنا 150 معتقلا قسمونا إلى مجموعتين أي خمسة وسبعين فردا على متن شاحنة واحدة، وإذا أضفنا إلى هذا الازدحام الحرارة المفرطة وسوء الطريق أمكننا تصور حجم المعاناة.في تلك الرحلة سقط محمد الغرزاز الذي كسرت يده وادريس الصفريوي الذي أغمي عليه مثل السي علي. وفي المقاطعة السادسة وجدنا المتدربين من المرتزقة الذين أعادتهم ليبيا بل طردتهم من أرضها.وفور وصولنا بدأ التفتيش والضرب والركل ثم قادونا للتو ستة كيلومترات لمباشرة العمل الشاق.كان الغرض إرهاقنا وإرهابنا لئلا تسول لنا أنفسنا القيام بأية محاولة للفرار.كانت إقامتنا تحت الأرض في الدهاليز. كانت الحرارة هناك لا تطاق ولذلك شب حريق ذات ليلة ولم يتدخلوا إلا بعد أن حصلت في صفوفنا إغماءات وإصابات بحروق خطيرة زيادة على وفاة بلعيد وكل هذا لم يعفنا من العذاب والعمل الشاق والضرب ليل نهار.ولما اشتدت علينا وطأة القهر مدة أربعين يوما ذهبت وزيد الملقب ببوكريشة ومحمد بوزيد ومحمد اكحيلة ومحمد الغراز ومحمد القاسمي والرقيب المخلوفي عيسى، ذهبنا إلى باعمر وطلبنا منهم أن يقتلونا.وصلت الأخبار إلى مدير الأمن فجاءنا ادا ولد احميم رفقة مولاي والزعيم فأخرجونا ليلا إلى الساحة وعذبونا حتى الصبح، استجابة لمطلبنا بأننا نريد أن نموت.أعطونا الموت البطيء الذي ارتضوه لنا بديلا.في الصباح الباكر أمرونا بأن نقف وطوقنا حوالي 15 حارسا. أمروا الرقيب غفير بأن يسب الحسن الثاني فكان جوابه واضحا قويا: قطعوني إربا إربا ولن أفعلها!جاء دوري فقلت لا وألف لا.أمرونا بأن نحمل آجرتين ثقيلتين لكل واحد فقلنا هاتوا عشرة قطع آجر بدل واحدة.نادوا على حميد اللبان وسألوه: الصحراء لمن؟ فأجاب: إنها كانت وستبقى مغربية.سألوني عن حدود المغرب فقلت: شمالا البحر المتوسط وغربا المحيط الأطلسي وشرقا الجزائريون (وقد تعمدت ألا أقول الجزائر ) وجنوبا موريتانيا.تركوا حارسين فقط وراحوا إلى الكتائب الموجودة في مركز التدريب ذاك ليخبروهم بما سمعوه منا بوصفنا "شلوح" كما يسموننا.تواصلنا نحن الأربعة بلغة الإشارة أن نقاوم حتى الموت وألا نستسلم وليكن ما يكون بعدها.بدأت الأشغال الأكثر من الشاقة. نال منا العطش والإعياء.كانت الساعة حوالي الثالثة بعد الظهر فإذا بعمر الحضرمي يصل فجأة فأوقفنا عن العمل وذهب إليهم ثم انتزع منهم لحوم الجمال وأتى بها إلى المعتقلين.شبعنا تلك الليلة وأتانا أيضا بالسجائر وبالأطباء المغاربة الذين كانوا من ضمن المعتقلين. بقينا وجها لوجه مع الحضرمي وادا ولد احميم وباعمر بعد أن أبعدوا عنا الكتائب.قال لنا الحضرمي إنه سيفعل ما بإمكانه وسيحاول نقلنا من هناك ولكن عليكم أن "تسلكوا أرواحكم مع هاد الكلاب"، وحدد لنا قانونا جديدا للعمل: نبدأ العمل من الخامسة صباحا ونتوقف في الثالثة بعد الظهر، أما الحراسة فلن تتدخل فينا وتقتصر على دور المراقبة.أخذني الحضرمي ضمن عشرين آخرين إلى "البوست 14" وسبب هذه التسمية أن 14 معتقلا كانوا يتحلقون حول صحن واحد للطعام! كان ادا ولد احميم هو المكلف بحراستنا ولم يكن يسمح لأحد بالاقتراب منا. كانوا يحومون حولنا مثلما الضباع حول الفريسة وكان ينهرهم.وبعد أن أنهينا بناء مستودع للدبابات أعادونا إلى المقاطعة السادسة.
من محطة إلى أخرى ومن مشقة إلى محنة.بدأت حملة النظافة بالمخيمات. وكانت البداية بمخيم السمارة.
في مركز 9 يونيو بنينا مستشفى من سبعة أجنحة، وكان كل جناح يتكون من عشرين غرفة،وملاعب لكرة القدم والتنس وكرة السلة.وكما كانت العادة عند الانتهاء من أي بناء، كانت جبهة البوليساريو تستدعي الوفود لزيارته، وكانوا يعمدون إلى إخفائنا من المكان كي لا ترانا تلك الوفود.بعد 9يونيو، أخذنا إلى مركز 12 أكتوبر المسمى أيضا « بوست سينك».هناك استقبلنا المدعو لمخيطير، وأمرنا بالوقوف في مجموعات من خمسة أشخاص، ثم أمرنا بالجلوس كي يسهل عليهم عدنا.ومن ذلك اليوم سمى المعتقلون ذلك المركز "بوست سينك" أي "مركز خمسة" بالفرنسية.
أتذكر المعتقل المجدوبي ادريس من مدينة مريرت عندما كان يحمل »الشارية« على منكبيه فأتى إليه السجان ولد بوسيف وأمره بترك تلك الأثقال واتباعه إلى مغارة، وقبل ولوج ذلك الكهف، صفعه أربع صفعات حتى لف حول نفسه عدة مرات.دخل المعتقل المغارة وأمر بحمل براز بشري والاسراع برميه في مكان قريب والعودة ركضا إلى المغارة.هناك، في ذلك الجحر المعد للآدميين، وجد المجدوبي شخصا مقتولا ومعلقا من رجليه، والأكيد أن الضحية كان من الرافضين لنظام جبهة البوليساريو.عندما انتهى المجدوبي من التنظيف كان عليه الخضوع لتعذيب عنيف،قيل له في نهايته:"هذا لكي لا تقول شيئا عما رأيت، وإلا كان مصيرك الموت".ولم نكن نسترح من لمخيطير وجبروته إلا حوالي العاشرة ليلا، وهو السيناريو الذي تكرر عشرين يوما، قبل أن يعيدونا إلى مركز 9 يونيو من جديد.حسبنا أن في الأمر فرجا، لكن الاعداد لحفل ذكرى 20 مايو،بمناسبة أول شرارة أطلقتها البوليساريو، وهي ما تزال قيد التصنيع في مختبرات الأجهزة السرية الجزائرية،منعنا من قسط من الراحة.استمرت الاشغال بالليل والنهار، وكان الامتياز الوحيد في ذلك الفصل هو ارتفاع نسبي لدرجة الحرارة جعلنا نتفادى العمل الشاق في برد قارس.كنا آنذاك تحت إشراك محمد ولد نافع الذي كنا نلقبه ب "اسبيك" حيث أن كل كلام ناب كان يوجهه للمعتقلين لابد وأن يبدأه بعبارة "أسبيك ما تخدم؟" أو "أسبيك ما تقف؟". جاءت وفود صحافية أجنبية كما العادة، ورفضنا التحدث معهم خوفا من أن يبلغوا الجلادين بما نقول.وجاء طور جديد من العذاب المرافق لعملية بناء مدرسة 27 فبراير للتكوين المهني، وهي واحدة من الحيل لارتزاق الأموال من الخارج،وهي أموال تبلغ ملايير الدولارات بالنظر إلى جبال الاسمنت ومواد البناء والحديد التي تقدمها الجزائر وغيرها.ولو كانت الدولة الجزائرية تفكر بالمنطق لوجدت أن ما يصرف من خزينتها على الانفصاليين كفيل بأن لا يترك متسولا ولا فقيرا فوق أراضيها.وأتذكر أننا كنا نتقي البرد بإضرام النار في خشب معد أصلا للبناء، ولطالما منعونا من ذلك إلا أن قساوة برد الصحراء كانت تدفعنا لمعاودة الكرة، وكنا لا نتورع في اهدار المواد الأساسية إمعانا منا في تخريب ما يمكن تخريبه داخل أوصال جمهورية الوهم، وكيف لا نفعل ونحن المعذبون أبدا، والجائعون المنهكون المرضى في الصيف والشتاء.

أحمد الجلالي
londonsebou@hotmail.co.uk

0 التعليقات

إرسال تعليق

 
') }else{document.write('') } }